فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً}.
قال ابن عرفة: وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما تضمن الكلام السابق ادّعاء الكفار أنّهم لا يعذبون بالنار إلا زمانا مخصوصا يسيرا، رد عليهم ذلك بوجهين:
- الأول: مطالبتهم بالدّليل على ذلك حسبما تضمنه {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْدًا}- الثاني: أنّهم لما عجزوا عن الإتيان بالدليل احتمل أن يكون دعواهم في نفس الأمر صحيحة، فأتى بهذا الدليل على بطلانها.
فقال: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً}.
ظاهر الآية حجة لأهل السنة في إثبات الكسب لأنهم اصطلحوا على إطلاق هذا اللفظ مرادا به القدرة على الفعل مع العلم بما فيه من مصلحة أو مفسدة، والأصل عدم النقل، فإن قلت: المراد به معناه اللّغوي؟
قلنا: الأصل موافقة اللغة للاصطلاح، وعدم النقل فلعله كذلك في اللغة.
فإن قلت بقول المعتزلة: المراد به عندي استقلال العبد بقدرته وأنه يخلق أفعاله، والأصل عدم النقل، فلعله كذلك في اللغة؟
قلنا: قد أبطلنا مذهبهم في الأصول بموافقتهم على الدّاعي.
و{مَن} إما موصولة أو شرطية، والظاهر الأول لعطف الموصول عليها ولأنّ الشرط قد يتركب من المحال.
تقول: لو اجتمع النقيضان لكان زيد متحركا ساكنا، وهذا صادق مع أنه محال، وكسب السيئة قيل: المراد به ما سوى الكفر من المعاصي.
{وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته} المراد به الكفر.
وقيل: بالعكس.
قيل لابن عرفة: أو المراد بالجميع الكفر؟
فقال: يكون العطف تكرارا.
قيل له: بل المعنى كسب السيئة وأحاطت به تلك السيئة؟
قال: والخلود إن كان كسب السيئة مرادا به المعاصي سوى الكفر، والخطيئة المراد بها الكفر، فيكون من استعمال اللّفظ الواحد في حقيقته ومجازه لأن خلود الكفار حقيقة وإن كان شيئا واحدا، فيجوز فيه أنّ الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
ويفرع على القول الأول بأن معنى الخطاب بذلك راجع إلى تضعيف العذاب على المخالفة في الدار الآخرة، فيكون هذا خلودا خاصا.
والآية حجة لأهل السّنّة بدليل أداة الحصر.
فالمعنى: هم الخالدون لا غيرهم.
قيل لابن عرفة: يخرج من حافظ منهم على الفروع فيلزم أن يكون غير مخلد؟
فقال: السياق يبين أنّ هذا خلود خاص.
قال الطيبي: يحتمل أن يراد بالسّيئة كل ما فعل عن قصد، وبالخطيئة ما فعل غير مقصود كمن شرب الخمر فلما سكر ضرب رجلا أو قتله.
الزمخشري: قال الحسن: كل آية نهى الله عنها، وأخبرك أن من عمل بها أدخله النار فهي الخطيئة المحيطة.
قال ابن عرفة: صوابه كل نهي.
قال ابن عرفة: وزيادة لفظ الخلود دليل على أن الصحبة تطلق على مطلق الاجتماع وإن لم يكن معه دوام. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}.
أراد الله سبحانه وتعالى أن يوضح كذبهم.. فجاء القرآن قائلا: {بلى} وهي حرف جواب مثل نعم تماما.. ولكن {بلى} حرف جواب في النفي.. يعني ينفي الذي قبله.. هم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ورسول الله سألهم هل اتخذوا عند الله عهدا أو يقولون على الله ما لا يعلمون، فجاء القرآن ليقول: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.. بداية الجواب ببلى تنفي ما قالوا.. لأن بلى تأتي بعد النفي.. ونعم تأتي بعد الإجابة.. فإذا قال إنسان ليس لك عندي شيء وقلت نعم، فمعناها أنه صحيح أنك ليس لك عندي شيء.. أما إذا قلت بلى، فمعنى ذلك أن لك عندي شيئا أو أشياء.. ولذلك بعد قولهم: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً}.. لو جاء بعدها نعم، لكان قولهم صحيحا، ولكن بلى نفت.. وجاء الكلام بعدها مؤكدا النفي:
{مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} هم قالوا لن تمسنا النار.. قال لن تمسكم فقط بل أنتم فيها خالدون.
وقوله تعالى: {أَصْحَابُ النَّارِ}.. الصحبة تقتضي نوعا من الملازمة فيها تجاذب المتصاحبين.. ومعنى ذلك أنه سيكون هناك تجاذب بينهم وبين النار.
هنا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً}.. وكان السياق يقتضي أن يقال اكتسب.. ولكن لأنهم ظنوا أنهم كسبوا.. كما بينا في الآية السابقة.
وقوله تعالى: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}.. إحاطة بحيث لا يوجد منفذ للإفلات من الخطيئة لأنها محيطة به. وأنسب تفسير لقوله تعالى: {كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}.. أن المراد الشرك.. لأن الشرك هو الذي يحيط بالإنسان ولا مغفرة فيه.. والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48].
ولذلك فهؤلاء لم يكونوا عصاة فقط.. ولكنهم كانوا كافرين مشركين. والدليل قوله تعالى: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.. وأصحاب الصغائر أو الكبائر الذين يتوبون منها لا يخلدون في النار.. ولكن المشرك بالله والكافر به هم الخالدون في النار.. وكل من لم يؤمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كافر.. لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
ولذلك قلت هناك فرق بين.. الإنسان الذي يرتكب معصية لأنه لا يقدر على نفسه فيندم ويتوب.. وبين إنسان يفرح بالمعصية.. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} [النساء: 17].
وهناك من يندم على المعصية وهذا له توبة.. وهناك من يفرح بالمعصية وهذا يزداد معصية. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بلى من كسب} قال: الشرك.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة وقتادة. مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: أحاط به شركه.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بلى من كسب سيئة} أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بما كفرتم به حتى يحيط كفره بما له من حسنة {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي من آمن بما كفرتم به، وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنة خالدين فيها يخبرهم أن الثواب بالخير والشر، مقيم على أهله أبدًا لا انقطاع له أبدًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار.
وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن أنه سئل عن قوله: {وأحاطت به خطيئته} ما الخطيئة؟ قال: اقرأوا القرآن، فكل آية وعد الله عليها النار فهي الخطيئة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: الذنوب تحيط بالقلب، فكلما عمل ذنبًا ارتفعت حتى تغشى القلب حتى يكون هكذا وقبض كفه، ثم قال: والخطيئة كل ذنب وعد الله عليه النار.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الربيع بن خيثم في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب.
وأخرج وكيع وابن جرير عن الأعمش في قوله: {وأحاطت به خطيئته} قال: مات بذنبه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{بلى} حرف جواب كنعم وجير وأَجَل وإي، إلا أن {بلى} جواب لنفي متقدم، سواءً دخله استفهام أم لا فيكون إيجابًا له نحو قول زيد، فتقول: بلى، أي: قد قام، وتقول: أليس زيد قائمًا فتقول: بلى أيى هو قائم قال تعالى: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172] ويروى عن ابن عَبّاس أنهم لو قالوا نعم لكفروا.
وقال بعضهم: إن {بلى} قد تقع جوابًا لنفي متقدّم وقد تقع جوابًا لاستفهام إثبات كما قال عليه الصّلاة والسلام للذي سأله عن عطية أولاده: «أَتُحِبُّ أَنْ تُسَاوِيَ بَيْنَ أَوْلاَدِكَ في البِرِّ» قال: بَلَى.
وقوله عليه الصلاة والسلام لرجل: «أَلَسْتَ أَنْتَ الَّذِي لَقِيتُهُ بمكة؟ قال: بلى».
فأما قوله: الوافر:
أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو ** وَإِيَّانَا، فَذَاكَ بِنَا تَدَانِي

نَعَمْ وَتَرى الْهِلاَلَ كَمَا أَرَاهُ ** وَيعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلاَنِي

فقيل: ضرورة.
وقيل: نظر إلى المعنى؛ لأن الاستفهام إذا دخل على النفي قرره وبهذا يقال: فيكف نقل عن ابن عباس أنهم لو قالوا لكفروا مع أنّ النفي صار إيجابًا.
وقيل: قوله: نعم ليس جوابًا بأليس إنما هو جواب لقوله: فَذَاكَ بَنَا تَدانِي.
فقوله تعالى: {بَلَى} رد لقولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} أي: بلى تمسّكم أبدًا، في مقابلة قولهم: {إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} وهو تقدير حسن.
والبصريون يقولون: إن {بلى} حرف بَسِيْط، وزعم الكوفيون أن أصلها {بلى} التي للإضراب زيدت عليها الباء ليحسن الوَقْف عليها، وضمنت الياء معنى الإيجاب قيل: تدّل على رد النفي، والياء تدلّ على الإيجاب يعنون بالياء الألف.
وإنما سموها ياء؛ لأنها حرف عال وتكتب بالياء.
و{مَنْ} يجوز فيها وَجْهَان.
أحدهما: أن تكون موصولة بمعنى الذي والخبر قوله: {فأولئك}، وجاز دخول الفاء في الخبر لاستكمال الشروط، ويؤيد كونها موصولة، وذكر قسيمها موصولًا وهو قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا}، ويجوز أن تكون شرطية، والجواب قوله: {فَأُوْلَئِكَ}، وعلى كلا القولين فحملّها الرفع بالابتداء، ولكن إذا قلنا: إنها موصولة كان الخبر: {فأولئك} وما بعدها بلا خلاف، ولا يكون لقوله: {كَسَبَ سَيِّئَةً} وما عطف عليه محلّ من الإعراب؛ لوقوعة صلة.
وإذا قلنا: إنها شرطية جاء في خبرها الخلاف المشهور، إما الشرط أو الجزاء، أو هما حسب ما تقدم، ويكون قوله: {كَسَبَ} وما عطف عليه في محلّ جزم بالشرط.
{سَيّئة} مفعول به، وأصلها: سَيْوِئَة؛ لأنها من ساء يسوءُ فوزنها فَيْعِلَة فاجتمع الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فأعلت إعلال سَيِّد ومَيِّت كما تقدم.
وراعى لفظ {مَن} فأفرد في قوله: {كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} والمعنى مرة أخرى مجمع في قوله: {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فيهَا خَالِدُونَ}.
وقرأ نافع وأهل المدينة {خَطِيئَاتِه} بجمع السلامة والجمور: {خَطِيْئته} بالإفراد، ووجه القراءتين ينبني على معرفة السّيئة والخطيئة.
وفيهما أقوال:
أحدها: أنهما عبارتان عن الكُفْر بلفظين مُخْتلفين.
الثاني: أنهما عبارتان عن الكُفْر بلفظين مخْتلفين.
الثالث: عكس الثاني.
فوجه قراءة الجماعة على الأول والثالث أن المراد بالخطيئة الكفر، وهو مفرد، وعلى الوجه الثَّاني أن المراد به جنس الكبيرة، ووجه قراءة نافع على الوَجْه الأول والثالث أن المراد بالخَطِيئات أنواع الكُفْر المتجددة في كلّ وقت، وعلى الوجه الثاني أن المراد به الكبائر وهي جماعة.
وقيل المراد بالخطيئة نفس السّيئة المتقدمة، فسماها بهذين الاسمين تقبيحًا لها كأنه قال: وأحاطت به خطيئهُ تلك أي السيئة، ويكون المراد بالسّيئة الكُفْر، أو يراد بهم العُصَاة، ويكون أراد بالخلود المُكث الطويل، ثم بعد ذلك يخرجون.
وقوله: {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} إلى آخره تقدم نظيره.
وقرى {خطاياه} تكسيرًا وهذه مخالفة لسواد المصحف؛ فإنه رسم {خطيئتهُ} بلفظ التوحيد، وتقدم القول في تعريف خَطَايا. اهـ.